
"مفيش حاجة من هنا تروح القلعة؟". عربات الميكروباص تنادي "إسعاف.. إسعاف"، هل أنا في حاجة إلى الإسعاف أم في حاجة إلى الذهاب إلى رمسيس كي يداوي حالي..؟ لا أحد هنا يعلم هدفي من التوجه إلى القلعة.. لا يهم !!ـ
**
في نهاية شارع جامعة الدول العربية فرن بلدي جوار إحدى "الأمكنة" التابعة لوزارة التموين.. طابور طويل، ولا توجد كاميرا كي تصور..... فقد انتهى الحدث الذي صورته الكاميرات الصحافية وقت أزمة رغيف العيش، أما الآن فكأن الأزمة قد انتهت، لأن الكاميرات لم تعد موجودة.. أنا عن نفسي عبرت عن ترفي وصورت نفس المكان قبل عام
"بص فيه عربيات بتروح المترو"
شيء ممتع، أمامنا طريق طويل
ـ هو ده رايح أنهي محطة مترو؟
ـ خليك للآخر
ـ محطة البحوث؟؟
ـ لا انت في الآخر خالص .. استنى
لا يريد المنادي أن يسألني عن وجهتي، عن أسباب اتجاهي إلى القلعة، عن أسباب إنشاء القلعة..الخ
بيني وبينها شاب يضغط "ديليت" ويحذف أغنية من أغاني الراي بعد تأزم العلاقات بين مصر والجزائر، ثم أمعن النظر في مساحة الذاكرة، ونزل. وبينما تعد هي حقيبتها استعدادا للنزول سألتها "هو هنا المترو؟"
ـ لا أنا نازلة همفرسـ إيه؟
يقف السائق فجأة فننسى العالم ونطل على مستقبل سيارته الخربة التي بدت في حاجة إلى العون.. أخذ العلم من جانب السيارة، أزاله وألقاه على الأرض، ثم داسه بقدميه الشريفتين، واستخدم العصا في تصليح السيارة، ثم دخل مع تابعه في جدل مع سائق آخر حول بعض الحقائق الميكانيكية
ـ انتي قولتيلي نازلة فين؟
ـ هنفرس
ـ ااه أنا كمان هتفرس
على يميني لافتة أراها بوضوح من داخل الميكروباص مكتوب عليها "همفرس"، اللافتة على جدار يحرس خط القطار من البشر والجواميس
**
على صدرها العامر أسندت رأسي.. يشير المنادي أن نرجع إلى المقعد الخلفي، فنرجع وأخبره في حسم "خلاص كده ورا"، و بدأت هي في مداعبة شعري الخشن
ـ أوعى يكون عندك إتش وان إن وان
لم أعرف لماذا لم تقل انفلونزا الخنازير مثل بقية العامة!؟
أكملت حديثها دون اهتمام : ـ ينفع اللي بيحصل للمصريين ده؟ بنتهان في كل حتة كده.. حتى في بلدنا؟ طول السكة زحمة وخناق، وبقى لي ساعة مش عارف اروح هنفرس
لم أخبرها أننا الآن على تخوم همفرس
ـ ما تيجي معايا نشرب قهوة زيادة وتسيبك من مشوار القلعة ده؟
لم أعلق.. لم أسألها كيف عرفت أني متوجه إلى القلعة، أو كيف عرفت مزاجي في شرب القهوة، جلست جوار الشباك الأيسر، ومددت جسدي على الأريكة الخلفية وأسندت رأسي على فخذها السمين
ـ عارف المشكلة إيه..؟ إنه خلاص مبقاش فيه مشاعر
**
صعدت إلى الأتوبيس المار بشارع القصر العيني.. "هنا يا أستاذ كل الركاب عندهم إتش وان إن وان - ومش لابسين كمامات" اهتم الكمساري أن يحذرني قبل دفع الخمسة والسبعون قرشا.. في العادة هي إما جنيه أو نصف
ما حدث أني جلست جوار فتاة تشبه إحدى من أضفتهن إلى الفيسبوك.
ـ عارف المشكلة إيه ..؟ إنه خلاص مبقاش فيه مشاعر
حاولت أن أتعجب، لكنها لم تهتم.. أسندت رأسي إلى صدرها المفلطح
ـ ما تيجي معايا نشرب قهوة زيادة وتسيبك من مشوار القلعة ده؟
ـ فين؟
ـ في همفرس.. عند واحدة صاحبتي
"فـَهـمَّت بـِه وهمَّ بها لوْلا أَنْ رَأى بُرهَان رَبـِّه"
يقرأها الشيخ الطبلاوي من مقام النهاوند من مذياع السيد السائق، نمت في حضنها اليابس 5دقائق، استيقظت حين أرادت النزول في محطة مجلس الشعب، لكنها تأخرت ونزلت في محطة الجامعة الأمريكية، نزلت وراءها، وأعطاني السيد اللواء الواقف في الإشارة كمامة كي لا أنقل العدوى لبقية البشر، وناداني قبل أن أتركه وأهداني علما
**

من مرفأ عبدالمنعم رياض يقف المركب المتجه ناحية القناطر، ومركب أصغر ينتظر الركاب كي يمر بهم إلى الضفة الأخرى، وسفينة كبيرة ستتجه إلى مدينة نيويورك مباشرة
لبست الكمامة.. ألقيت العلم. وصعدت إلى سفينة نيويورك، رأيت أحمد مظهر يشكو الزمان على حافة السفينة ويقول : خلاص مبقاش فيه مشاعر، ثم نظر إلي وسألني : انت رايح على قلعة صلاح الدين الأيوبي الأول؟؟
لم أجب عليه، قفزت من المركب، وركبت التوكتوك إلى همفرس